تطرح صحيفة لوموند في افتتاحية رؤية تحذيرية عن وصول النقاش العام حول حرب غزة إلى مستوى من التوتر والالتباس يفجّر أي محاولة للفهم. يوضح الكاتب أنّ سنتين مرّتا على هجمات 7 أكتوبر التي نفّذتها حماس ضد إسرائيل، ومع تجاوز عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على غزة 69 ألف قتيل، يتصاعد الاحتقان داخل فرنسا إلى حدود غير مسبوقة
نقاش الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني طالما أثار شغفًا في فرنسا، لأسباب ترتبط بوجود أكبر تجمع لليهود والعرب في أوروبا، إضافة إلى إرث سياسي وثقافي يربط فرنسا بالشرق الأوسط. لكن المقال يوضح أنّ اللحظة الحالية تشهد درجة من الاشتعال تجعل الحوار نفسه مهمة شبه مستحيلة.
يشير الكاتب كذلك إلى واقعتين حديثتين تجسّدان هذا التوتر: إلغاء يومين دراسيين حول "فلسطين وأوروبا" في كلية فرنسا بعد تدخل وزير التعليم العالي، ثم نقل الفعالية إلى مقر أصغر يتبع المركز العربي للأبحاث. بعد ذلك بأيام، يندلع اشتباك داخل قاعة الفيلهارموني في باريس، حين يعترض ناشطون مؤيدون لفلسطين حفلاً للأوركسترا الإسرائيلية ويشعلون شعلات دخان.
يشرح المقال أنّ هذه الوقائع تثير قلقًا إضافيًا، لأنها تكشف حدود حرية أكاديمية يفترض أن تُحمى، لا أن يُنتقص منها بقرار وزاري. يبيّن الكاتب أنّ الوزير تدخل في نقاش بين أكاديميين معروفين، وخلق سابقة خطيرة تهدّد استقلال واحد من أكثر المؤسسات العلمية رمزية في البلاد. أما الهجوم على الفنانين، فيراه المقال خلطًا بين الأفراد وسياسات دولهم، ما قد يفاقم التطرف بدلاً من مقاومته.
حرية أكاديمية تتعرض للضغط
يصف المقال كيف يخلط البعض بين النقد العلمي وبين التضييق السياسي، وكيف يؤثر هذا على الجامعات. يناقش الكاتب أنّ التدخل السياسي، بدل فتح فضاء للبحث الحر، يزرع خوفًا لدى منظّمي الفعاليات الفكرية. يوضح أيضًا أنّ النقاش حول تمويل المؤتمر القطري أو توجّهه الفكري حق مشروع، لكن فرض الإلغاء أو الضغط على الأكاديميين لا يدخل في حدود هذا الحق.
يشير النص إلى أنّ حرية الجامعة ترتكز على البحث عن الحقيقة، لا على ادعاء الحياد، وأنّ النقاش الصريح يظل الطريق الوحيد للحفاظ على صدقية المؤسسات العلمية. بينما يضيف المقال أنّ استهداف فنانين أو مثقفين لمجرّد جنسيتهم يدفع الحوار إلى مناطق خطرة، ويغذي ردود فعل حادة بدل بناء نقاش عام صحي.
ارتباك سياسي يغذّي العنف الرمزي
يلفت الكاتب إلى أنّ الشارع الفرنسي يعيش حالة من الارتباك، لأن الناس الذين يشعرون بالغضب أو الألم تجاه ما يحدث في غزة لا يجدون مساحة آمنة للاحتجاج. يتهم مقال لوموند الحكومة بخلق مناخ يجرّم المشاركة في مظاهرات تُندّد بعجز فرنسا والاتحاد الأوروبي عن وقف المجازر في غزة. وفي المقابل، تستغل أطراف من أقصى اليسار هذا المناخ لتعزيز خطابها السياسي، ما يحتجز النقاش في دائرة توتر دائمة.
يرى المقال أنّ هذا الانغلاق يدفع بعض الأفراد إلى التصرف خارج الأطر المنظمة، وهو ما يفسّر انفلات بعض الاحتجاجات في ساحات الثقافة أو الجامعة. ويعتبر الكاتب أنّ حالة الإحباط الجماعي هذه تُغلق الباب أمام محاولات الفهم وتُحول النقاش إلى معركة هوية بدل أن تبقى مواجهة فكرية
ضرورة إعادة النقاش إلى أرض أكثر اتزانًا
بعد الإشارة إلى هدنة هشة أعلنت قبل شهر وتفتقر لأي أفق سياسي واضح، يؤكد المقال أنّ اللحظة تفرض إعادة بناء النقاش العام حول الشرق الأوسط على أسس أكثر هدوءًا. يدعو الكاتب إلى رفض الاستغلال السياسي للمأساة، وإلى احترام مشاعر ومواقف كل طرف، لأنّ التوازن في الحوار أصبح ضرورة، لا خيارًا.
يختم المقال بالدعوة إلى تحصين الحق في النقاش الحر، وتشجيع المثقفين والمواطنين على تجاوز حالة الاستقطاب التي تُحوّل الحوار إلى اشتعال دائم. يؤكد أنّ النقاش حول الشرق الأوسط لا يُدار بالمزايدات، بل بالاعتراف بتعقيداته، وبقدرة المجتمع على إدارة خلافاته دون تحويلها إلى صدامات.
https://www.lemonde.fr/en/opinion/article/2025/11/15/it-is-time-for-debate-on-the-middle-east-to-become-more-measured_6747480_23.html

